على غرار عديد البلدان العربية شهد المغرب مرحلة حالكة السواد من الاستعمار والاحتلال، كبدته خسائر مادية وبشرية جسيمة، عادت بالبلد قرونا إلى الوراء، ولم ينل البلد استقلاله إلا بعد تضحيات خيرة أبنائه الصادقين، الذين بذلوا الأرواح والمهج وضحوا بالغالي والنفيس، ليستعيد هذا البلد سيادته على أراضيه وإرادته، فكان تاريخ 18 من نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1956 يوم الحصاد لثمار ثورة عارمة قادها الملك محمد الخامس رحمه الله بمعية شعبه الوفي، ففي هذا اليوم حاز المغرب استقلاله بجلاء آخر ذيول الاستعمار الفرنسي، ليطوي مرحلة الجهاد الأصغر، ويبدأ مسيرة طويلة من إعادة بناء الدولة وإصلاح ما أفسده الاستعمار.
بعد الاستقلال شهد المغرب حركية كبيرة، قادها بحكمة وتبصر الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وقام خلالها بإصلاحات كبرى على المستويين الاقتصادي والترابي، ففي مجال استكمال الوحدة الترابية، قام في البداية بفتح مفاوضات مع القوى الفرنسية والإسبانية والأمريكية التي كانت لا تزال مرابطة بجيوشها على الأراضي المغربية، وكان أهم انجاز تم في الميدان الاقتصادي هو إصدار ظهير 2 مارس 1973 والذي يقضي بتفعيل عملية مغربة الأطر والقطاعات الحيوية في المجالين الاقتصادي والصناعي، وقد تم استرجاع أراض كثيرة من المعمرين ليتم إخضاعها للإصلاح الفلاحي.
وعلى الرغم من حصوله على الاستقلال، بقيت مناطق شاسعة من الجنوب المغربي خاضعة للاحتلال الاسباني إلى حدود سنة 1975، هنا تفتقت عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني عن فكرة ذكية ومبدعة تمثلت في نداء المسيرة الخضراء، هذه الملحمة الكبرى التي سطرها حوالي 350.000 مغربي ومغربية، توجهوا حاملين بأيديهم كتاب الله، مهللين ومكبرين، في مشهد مهيب، ربط شمال المغرب بجنوبه، وضاربين أروع صور التضحية والفداء والتفاني في لَمِّ شتات الوطن وتعزيز اللحمة بين أبنائه البررة، فوقف المستعمر الإسباني فاغرا فاهُ أمام هذه السيول الجارفة التي زلزلت الأرض من تحت أقدامه بصيحات التكبير والتهليل، ولم يجد من بُدٍّ سوى ترك الأرض لأصحابها، والرجوع قافلا من حيث أتى دون أن تُراق قطرة دم واحدة، وبذلك استعاد المغرب صحراءه الشاسعة، وباشر إعمارها ونقلها من حياة البدو إلى الحضارة، عبر بناء المدن والموانئ والمرافق والمشاريع الكبرى.
ومن أهم المحطات التي طبعت فترة حكم الحسن الثاني، تعزيز البنيات الأساسية والمؤسسات، فقد شهد المغرب فتح أوراش كبرى وعزز بنياته التحتية بمنشآت هامة، لعل أبرزها بناء السدود واستصلاح الأراضي الزراعية، وتطوير أساليب الإنتاج الفلاحي من خلال أجهزة مختصة على رأسها مراكز الاستثمار الفلاحي و التعاونيات الفلاحية. كما تم إحداث عدد كبير من المؤسسات والمكاتب العمومية للإشراف على مجموعة من القطاعات الاقتصادية والخدماتية.
وعلى المستوى السياسي واصل الحسن الثاني تدعيم المسار الديمقراطي القائم على نظام الملكية الدستورية، عبر الإصلاحات التي أدخلت على الدستور المغربي منذ 1962. وكان آخر إصلاح تم إدخاله على الدستور هو إصلاح سنة 1996، وظلت سياسة الملك الحسن الثاني تنحو نحو إيجاد توازن سياسي في المغرب، فكثيرا ما نادى بضرورة التعايش بين الملكية والأحزاب وخصوصا المعارضة منها. وقد توجت سياسته التوازنية بإيجاد حكومة التناوب في التسعينيات من القرن الماضي.
وواصل الملك محمد السادس، مسيرة الإصلاح التي بدأها والده، لكن بوتيرة أسرع، وفي جو أكثر استقرارا فبدأ فترة حكمه بعقد مصالحة مع تجاوزات الماضي، عبر جبر المتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان، وإنشاء مؤسسات خاصة بهذا الغرض كديوان المظالم والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. هذا الطابع التصالحي للعهد الجديد عزز اللحمة بين الشعب والقصر، وهيأ مناخا تسوده الثقة والوفاء والتكامل، وهذا هو السر في صمود المغرب في وجه رياح الربيع العربي، بل إن الربيع المغربي صار نموذجا يحتدى به، ونال إعجاب العالم بأسره، وتكلل بدستور جديد سنة 2011 وسَّع هامش الحريات، وأرسى دعائم الديمقراطية ...
كانت هذه نبذة سريعة عن أهم الإنجازات التي طبعت تاريخ المغرب الحديث، وقد تطرقت لهذا الجانب بناء على اقتراح الأخت آية روض، وربما أغفلت بعض النقاط المهمة، لكن يبقى المجال مفتوحا لتعليقاتكم، ومن لديه إضافات أخرى عن هذا الموضوع سواء من الإخوة المغاربة أوغيرهم من أعضاء هذا النادي الثقافي، فلا مانع من مشاركتها ... تحياتي للجميع.
#الأسبوع_الثقافي_المغربي
تعليقات
إرسال تعليق