خطاب الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقــوق الإنسان في13 شوال 1410 هـ (8 ماي 1990م)
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السادة
تعلمون كلكم أن هذا البلد الأمين، منذ أن قيض الله سبحانه وتعالى له قائدا ملهما وحفيدا لخاتم المرسلين وداعيا إلى الله وسنة رسوله المولى إدريس الأول رضي الله عنه إلى يومنا هذا، كان طموحا دائما إلى أن يتبوأ في المجتمع الدولي وفي مصاف الأمم، المكان المرموق والدرجة السامية.
وقد دل تاريخنا، وما أتى به من خلق وإبداع ومن مساهمة جبارة في العلوم والفنون والحضارة والفقه والقانون، على أن بلدنا كان دائما يعتبر نفسه يعيش في مجتمع راق وبين الدول والأمم الراقية والمتقدمة. لذا كان بلدنا المغرب يضع دائما سياسته وبرامجه في إطار كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وكل منا يعترف ويؤمن بأن كتاب الله هو الفاصل أوالفيصل بين الحق والباطل، وان سنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي المحجة البيضاء الأخرى التي لايزيغ عنها إلا هالك، لما فيها من حفاظ على حقوق الجماعات وحقوق الأفراد، ولمــــا فيها من صيانة الأخلاق والفضيلة، تلك الفضيلة التي تطبع تاريخ الأمم وسيرة المواطنين.
وقد سار ملوكنا رحمة الله عليهم على سيرة المؤسس الأول والأكبر للمغرب، وبالخصوص سار والدنا المنعم طيب الله ثراه في هذا الطريق وعلى هذه السنة.
وأتذكر أنني حينما نجحت في الباكالوريا الثانية، سألني وقال لي : ماذا تريد أن تختار في تكوينك العالي . . كنت شغوفا بالتاريخ فقلت له، نعم سيدي سأختار التاريخ.
فكان جوابه: لا، الاختيار لي فعليك أن تدرس القانون، لان التاريخ يمكن لكل أحد غيرك أن يكتبه، أما حقوق بلدك ومواطنيك فلا يدافع عنها إلا من هو مسؤول بها.
فهكذا تربينا وهكذا نشأنا وهكذا نريد أن نربي أمتنا وشعبنا ومن سيلينا في الأحقاب المتوالية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لذا قررنا أن تكون جلستنا هذه جلسة مخصصة لا لخلق دولة القانون ولكن لاستكمال دولة القانون، الدولة التي تريد قبل كل شيء أن تضع حدا للقيل والقال فيما يخص حقوق الإنسان كي ننهي هذه المسألة. والنقطة الثانية لاعطاء المواطنين الوسيلة القانونية والسريعة والجدية وذات الفعالية للدفاع عن حقوقهم كمواطنين إزاء الإدارة أو السلطة أو الدولة نفسها.
وقبل الشروع في كلمتي سأعطي الأمر بأن تلقى عليكم لائحة الأعضاء الذين عيناهم ليكونوا أعضاء في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي يكون بجانبنا، والذي اخترنا أعضاءه إما بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، الكيفية غير المباشرة هي أننا طلبنا من جميع الهيئات السياسية والنقابية والمهنية بأن تقترح علينا ثلاثة أسماء أو مرشحين حتى نختار أعضاءها من بينهم.
وأنني بهذه المناسبة لانوه بتلك الهيئات السياسية والنقابية والمهنية، لان كل الأسماء التي قدمتها لنا وعرضتها على اختيارنا تتميز ولله الحمد بالاستقامة، والضمير المهني، والوطنية الحقة. أما الأشخاص الآخرون الذين اخترناهم مباشرة فقد اخترناهم لشخصيتهم، ولمصداقيتهم، ولخبرتهم، ولغيرتهم على وطنهم.
وهكذا ترون حضرات السادة وشعبي العزيز أننا حاولنا أن نحيط أنفسنا واختياراتنا ورأينا وقرارنا بأكثر ما يمكن من الضمانات، فكل هؤلاء الأشخاص الذين سمعتم أسماءهم أولا برهنوا ويبرهنون ولله الحمد على وطنيتهم، وثانيا لهم غيرة على سمعة بلدهم، وثالثا لا يخافون في الله لوما لائم.
وسنضع طابعنا الشريف على الظهير المؤسس لهذا المجلس. والخطوط العريضة لهذا المجلس هو أنه سيكون له رئيس، وقد سمعتم اسم رئيسه، وسيكون له أمين عام، وقد قررنا أن نعين على رأس الأمانة السيد ميكو، القاضي المعروف المحترم النزيه. وتقرر أن يجتمع هذا المجلس على الأقل مرتين في السنة وكلما اقتضى الحال، أما إذا نحن طلبنا منه الاجتماع، واما إذا قرر الاجتماع بنصاب الثلثين من أعضائه للنظر في القضايا المعروضة على نظره.
إن آذاننا وآذان المغاربة كلهم قد ملت وكلت من أن تسمع أن في المغرب أناسا مسجونين لأسباب سياسية. فإذا كان المس بالله، واستسمح الله، أو المس بالوطن، أو الملك، أو بمعتقداتنا ووطننا ودستورنا، يعتبر كجريمة سياسية، فأنا أقول حسب مفهومي، ولا أريد أن أكيفكم، أن من المسلمين أصبح يخرج في البلاد ويقول اعتنقوا دينا غير دين الإسلام فقبل أن يستتاب يعرض على هيئة أطباء حتى يروا هل هو ثابت العقل أم لا. فإذا استتيب وبقي مستمرا ومصرا على الدعوة إلى دين غير دين الله، دين الإسلام، فيحكم عليه. وكيفما كان الحكم أو السجن، لا يمكن أن يعطى لهذا الرجل صفة مسجون سياسي، وإذا سمعنا أو قرأنا يوما ما أن مغربيا ما قال أن الجزء الفلاني ليس داخلا في وحدة التراب المغربي، أعتقد أن هذا زندقة و لا يمكن أن يدخل في إطار القانون حتى يطلق عليه أنه معتقل أو مسجون سياسي.
ومن نادى من خلال لافتة أو صحيفة أو خطاب أن هناك نظاما آخر من غير نظام الملكية الدستورية، فلا أعتقد أنه عمل عملا سياسيا، بل قام بعمل تخريبي مضاد لارادة الشعب وللدستور. فأظن شخصيا أن ضمير هذا المجلس الاستشاري سوف يكون في حل - إذا هو اعتبر أن الاثافى الثلاث المقدسة لهذا البلد هي الله والوطن والملك - من أن يقول بأن هناك سجناء سياسيين.
ومعلوم أن للمواطنين حقوق، وحتى من أدينوا في المحاكم يجب أن يكونوا في مأمن من الجوع ومن المرض ومن التعسفات، ويجب أن يتمتعوا بصلة الرحم مع ذويهم، وأن يتمكنوا من الدواء وزيارة الطبيب إذا اقتضى الحال، بل يجب على النظام القضائي وعلى الدولة أن تحيطهم بكل ما من شأنه أن يمكنهم من الكرامة، ومؤخرا في رمضان كان درس كامل مبني على " وقد كرمنا بني آدم ".
فلهذا أريد حضرات السادة أن تنظروا في جميع الملفات التي ستعرض عليكم بكامل الحرية والنزاهة والفضيلة، ولانبغى بالطبع على المغاربة أن يخلطوا بين مكتب الشكاوى والمجلس الأعلى والمجلس الاستشاري الخاص بكم. ولكن أنا لا يمكنني أن أعلم كل شيء، وليس فـي إمكاني أن يصل إلى كل خبر، وليس بإمكاني أن أعرف ما هي الحالــة في السجن الفلاني أو في السجن الفلاني، ولكن الذي هو واجب علي هو أن أقوم الاعوجاج، وأن أنصف المظلوم. فأنتم ستكونون مرآة للحقيقة الموضوعية التي سوف ترونها وترون إليها من جميع الزوايا والمقاييس لتعتبروها هل هي داخلة في اختصاصاتكم ولتعرضوها علينا في أقرب وقت ممكن مع توصيات وملتمسات تساير الحق والحقيقة. وهذه أمانة على عنقكم حتى لا يبقى في هذا البلد رجل لا يتمتع، ولو كان محكوما عليه، بالكرامة الضرورية، أو لم يتم له أن يتمتع بجميع الضمانات التي يعطيها القانون والمسطرة القانونية والجنائية.
هذا هو عملكم، وهذه هي مهمتكم، ومهمتكم هي أن تغسلوا للمغرب وجهه لأنه لكل سبب تأتى منظمة العفو الدولية وتمارس علينا الرقابة وكأننا لازلنا تحت الحماية.
فيا أعضاء هذا المجلس، أناشدكم الله بنزاهتكم ووطنيتكم أن تعينوني على إرجاع الحق لمن اغتصب منه، وأن تعينوني على أن نرفع جميعا هذا البلد إلى مستوى الدول المتحضرة، دول القانون. وأناشدكم أخيرا أن تكونوا حقيقة أنتم المدافعون إما إيجابيا أو سلبيا. إيجابيا أن تقولوا: نعم في هذا الملف خرقت حقوق الإنسان، أو سلبيا. في هذا الملف لا خرق لحقوق الإنسان و إنما هذا كذب وتلفيق وزور.
فالأمانة لا يمكنني أن أتخلى عنها لا لبسكم إياها، ولكن أقول لكم أن الأمانة نقتسمها الآن أنتم وأنا. فنظام مجلسكم هو أنكم تجتمعون مرتين في السنة، وإذا حدثت مسألة تقتضي أن تنظروا فيها، فستجتمعون وتصوتون، وإذا قال ثلثا الأعضاء على أن القضية يجب أن تدرس وأنها تدخل في إطار حقوق الإنسان، فعليكم أن تدرسوها وتأتوا لي بالأسباب والمسببات وملتمساتكم ونظرياتكم في هذا الباب بكل ما أوتيتم من نزاهة وكيفما كانت حرفتكم، كنتم قانونيين أو مهندسين أو أطباء أو مدرسين جامعيين أو ممثلين لهيئات سياسية أو ممثلين لجمعيات نكرمها ونحبها. ويمكن شخصيا أن أعرض عليكم ملفات وأطلب منكم أن تنظروا فيها. وسأعرض على نظركم الرشيد في الأسبوعين المقبلين ملفين أريد أن تنيروا لي الطريق في ما يخصهما لإنصاف ما يجب إنصافه وغسل العار الذي لحقنا من خذلان بعض الناس لا أريد أن أذكر اسمهم ولاشخصهم.
وقد قررنا أن يكون مقركم هو المقر الذي كان من قبل لوزراء العدل العرب، بالطبع ذلك المقر تعقد به عدة مؤتمرات عربية، ولكن المقر الأساسي والدائم لكم وأمانتكم ستكون في ذلك المقر.
وآمل أن تعقدوا إن شاء الله في أقرب وقت ممكن في الأسبوع المقبل أول جلسة افتتاحية، وحتى لا يكون عليكم أي ضغط مادي فقد قررنا أن تكون مصاريفكم وتعويضاتكم - لانه قبل كل شيء يجب على هذا البلد أن يعوض كل من خدمه بما يسر الله له ولو أراد أن يخدمه تطوعا - مرتبطة من الآن بمصالح القصر الملكي وليس بوزارة من الوزارات، حتى تبقى هذه الآسرة، ولو كانت إدارية، صلة وصل أخرى بينكم وبيني.
ألهمكم الله التوفيق، وأذكى ضميركم، وأرهف اختياراتكم واعتباركم للإنصاف، حتى تجعلوا من هذا البلد الذي بنى دولته على أسس دولة القانون. فاليوم الذي جاء فيه المولى إدريس بكتاب الله وسنة رسوله جاء بالحديث النبوي الشريف: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك وهو كتاب الله وسنة رسوله والعمل مع الجماعة ووحدة المذهب: المذهب المالكي.
هذا هو دستوركم، ولي اليقين أننا كلنا مسلمون بالطبع وكلنا مؤمنون أعتبر أنني مؤمن ليس أكثر وليس أقل ولكن أظن أن فراسة المؤمن لا تخطئ، وان اختياري لكم لن يكون اختيار المخطئ، ولا تنسوا أن الضمير لا يحتاج تشريفات و لا حاجب و لا ديوان. بل الضمير يحتاج إلى الصلة المباشرة السريعة، فالأداة عندكم وهي الأمانة العامة فيما إذا رأيتم منكرا فغيروه من رأى منكم منكرا فليغيره .. أنتم ستغيرونه بأصواتكم وبمكاتبكم.
ولى اليقين أن الله سبحانه وتعالى سوف يعطيكم من سداد الرأي، وعمق الضمير، واحترام الوطنية، والغيرة على السيادة، ما يجعلنا إن شاء الله نكون قد قمنا بعمل هام.
وقبل أن نتطرق إلى النقطة الثانية أريد أن أقول أن فكرة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ليست فكرتي . . ففي أوائل شهر رمضان كنت أتصفح الصحف الأوربية، وخاصة الفرنسية، فإذا بي قرأت في صحيفة لوموند، أن صديقنا الحميم الرئيس فرانسوا ميتران استدعى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان - قليل حتى من الفرنسيين من كان يعلم بأن هناك مجلسا استشاريا لحقوق الإنسان- وفي البحث عن الفضيلة والهجرة نحو العلم ليس هناك أي مركب ويجب ألا يكون هناك أي مركب، فأقولها: هذه ملكية دستورية، و خدمكم أنتم المغاربة وملككم من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن مسلمون، ومع ذلك اعتبرنا بدون أي مركب أن ذلك المجلس الاستشاري الذي خلقه الرئيس فرانسوا ميتران، الذي كان قبل أن يكون رئيسا للجمهورية منذ حقبتين من الزمن هو الكاتب الأول للحزب الاشتراكي في فرنسا.
ولكن العلم هو ضالة المؤمن، والعدل هو ضالة المؤمن، فهذا الذي عندكم هنا ليس لي. فقد نقلته تقريبا فصلا على مجلس استشاري وضعته حكومة ورئيس فرنسي اشتراكي.
ولله الحمد، وبفضل ملكيتنا الدستورية، و إيماني بالعدل لا أجد في نفسي أية عنصرية ولا أي مركب لاقول لكم ما هي مراجعنا، فقد قصدنا فلسفة حزب اشتراكي.
وأظن أن هذه من أرباح المغرب الذي كما قال والدنا جميعا سيدنا محمد الخامس أن المغرب جاء همزة وصل وفي منعطف الطرق والتيارات، وأننا لنحمد الله على هذا الموقع الاستراتيجي والجغرافي، وعلى مرونة أفكارنا نحن المغاربة، وعلى قوتنا وقدرتنا على الالتئام والتجانس مع جميع الحضارات والثقافات والتيارات الأخرى فيما إذا كانت متفقة مع مبادئنا وفضيلتنا.
والآن أظن أنه من اللازم أن ندخل إلى النقطة الثانية، ففي النقطة الأولى تكلمنا عن حقوق الإنسان. وربما أعطيناها أكثر مما يلزم ولكن مع الأسف السياسة كما يقولون هي ما يظن وليس ما هو موجود. فالحقيقة السياسية قليل من يعرفها، بحيث عليكم أنتم أن تبينوا للناس، وهذا شغلكم من الآن فصاعدا، ماهي الحقيقة السياسية و العدلية والقانونية في هذا البلد.
الآن بقيت النقطة الثانية، اذا أردنا حقيقة أن نبنى دولة القانون علينا كذلك أن نأخذ بعين الاعتبار حقوق المواطنين بالنسبة للسلط وللادارة وللدولة.
وحينما بحثنا وجدنا أنه في هذا البلد كجميع الدول الآن حتى غير الاشتراكية أي الدول الليبيرالية، تضطر من الناحية الاجتماعية ومن الناحية الاقتصادية كما يقولون وكما سمعناه، نحن جيلنا الجالسون هنا من أساتذة القانون، أنه نظرا لالتزامات الدولة من الناحية الاجتماعية، ومن ناحية وصول الماء والكهرباء، ومن ناحية التجهيزات ليس فقط الأساسية بل حتى التجهيزات التي توصل الماء إلى منطقة من المناطق، اضطرت الدولة لأن تدوس في بعض المحلات المكتوب عليها هذا ملك خاص. جميل أن تضع الدولة رجلها في الملك الخاص ولكن على شرط أن تراعى فيه حق ذلك المواطن. فإلى حد الآن ليس لنا هنا في المغرب إلا غرفة واحدة في المجلس الأعلى للنظر في المشاكل بين المواطنين والسلطة، أو المواطنين والإدارة، لانني أميز جيدا بين السلطة والإدارة والدولة. فهذه الغرفة الإدارية لا تستطيع أن تنظر وتبت في كل القضايا ولاسيما أن الدولة اليوم تضع يدها على كل شيء، بحيث أن الكهرباء للدولة والماء للدولة. إذن على الدولة أن تضع حدا لتصرفاتها سواء كانت تصرفات السلطة أو الإدارة أو تصرفات الدولة نفسها. فمطمحنا نحن أن تكون غرفة إدارية في كل عمالة من العمالات ، وكل إقليم من الأقاليم، ولكن ليس لدينا القضاة الكفاة والكافيين في هذا الباب لأن ذلك يتطلب تكوينا خاصا، وستعرفون لماذا قررنا في المرحلة الأولى ونحن ننيط هذا بكيفية خاصة إلى وزيرنا فـــي العدل أن تخلق محاكم إدارية في جميع الجهات . ولدينا سبع جهات وسنبدأ بالجهات، ويجب على الشبان في معهد العلوم القانونية أن يعلموا بأننا سنخلق محكمة في كل عمالة وإقليم. وكل عمالة أو إقليم خلقت مثل هذه المحكمة يلزمها على الأقل خمسين شخصا، لذا يجب فتح شعبة للقانون الإداري لانني أطمح وأطلب من الله أن يحقق الطموح لانه في غضون عامين أو ثلاث سنوات على أقل تقدير كل عمالة وإقليم يجب أن تكون فيه غرفة إدارية، وستصبح من بعد الغرف الجهوية هي غرف الاستئناف، وإذا ما لم يتم الاتفاق على استئناف هذه الجهة يمكن للمتقاضي أن يتوجه إلى غرفة أخرى، وفيما إذا وقع الخلاف فعلى المحاكم الإدارية أن تجتمع بكاملها تحت إشراف الغرفة الإدارية الموجودة بالمجلس الأعلى وتقول كلمتها النهائية، وهذا هو الإطار الحقيقي لدولة القانون. لماذا؟ لان المشكل هو أن لفظ السلطة، فهناك من يتجاوز السلطة، وهناك من يتجاوزها من الناحية المرحلية، وهناك من يتجاوز سلطـته، وهناك من يحرف السلطة، فالسلطة المخولة له تسير نحو هدف والحالة هذه أنه سار بها لهدف آخر. وهناك كذلك مشاكل أخرى مثلا الدعاوى الانتخابية ينظر فيها في الأول في العمالات والأقاليم أو الجهات مؤقتا، بعد ذلك تصل إلى الغرفة الدستورية والإدارية للمجلس الأعلى. وهناك الملفات الجبائية يجب أن يكون لكل مغربي الحق أن يلجأ للغرفة الإدارية بإقليمه ويقول اللهم إن هذا منكر لقد فرضوا علي ضرائب أكثر ما يلزم، فلهذا على وزارة العدل كذلك أن تخلق شعبة للقانون الجبائي، لاننا قمنا بمجهود كبير فيما يخص النظام الجبائي وننوى أن نقوم بعفو جبائي ونطلب من المستثمرين أن يأتوا ليستثمروا عندنا، ولكن إذا لم يعرفوا أن بلادنا تنعم بالسلم والضمان الجبائي فانهم لن يأتوا. وبقطع النظر عن الخارج والأجانب علينا على الأقل أن ننصف قبل كل شيء رعايانا ومواطنينا.
فلا يمكن حقيقة أن تبقى حقوق الإنسان مرة تصعد ومرة تنزل، طلعت في هيلسنكي ونزلت الآن. فبخصوص ما يقع الآن في ليتوانيا مثلا لماذا لم يقل غورباتشوف لبوش ماذا تفعل في باناما، ولماذا بوش لم يقل لغورباتشوف ماذا تفعل في ليتوانيا. إن قضية حقوق الإنسان لم تكن إلا بهلوانية باتفاقية هلسنكي. فدولة القانون هي هذه، فالسلطة ليس لها الحق في أن تتجاوز حدودها، إذ ذاك لازم أن يكون من حق المغربي كيفما كان أن يشكى إما بضابط الشرطة أو بضابط الدرك أو القائد الذي تعسف عليه أو غيرهم. وهناك الإدارة. ما هي الإدارة ؟ إنسان طرد في الوظيفة العمومية بالطبع وليس في القطاع الخاص، طرد من إدارته لسبب لا يعترف بأنه سبب يستحق الطرد. سيبقى يتوجه بسببه إلى المصالح المركزية بالرباط، وكم يكفى هذه الغرفة الإدارية الموجودة في المجلس الأعلى من عمل. هناك أيضا إنسان عمل لمدة وجاءته ورقة تعويضاته في التقاعد ويعتبر أن حقه مهضوم، ليس بسبب وقوع غلط ولاسيما الآن كل شيء سيكون في الكومبيوتر. وقد وقعت لنا حتى في فاتورات الهاتف قبل مدة. ما وقع في فاتورة الهاتف يمكن أن يقع كذلك في ما يخص المعاشات. سيقول اللهم إن هذا منكر لقد أعطيت دمي ولحمي وشبابي.
وحينئذ عند من سيتوجه ؟ هل سيبقى يسير حسب قانون 1913للمسطرة المدنية الذي يحكم به في هذه القضايا؟ أخيرا ذكرنا السلطة وذكرنا الإدارة تبقى الدولة. فذات يوم تأتى وزارة وتشرع في بناء مصلحة فوق أرض أحد الخواص. وزارة التعليم مثلا بنت مدرسة، أو الشبيبة والرياضة شيدت ملعبا، أو وزارة البريد مكتبا. إن هذه الوزارة أولا لم تخبر المعني بالأمر ولم تتذاكر معه ولم تتصل به.
إن القانون في هذا الباب واضح، فحق الملكية مضمون وسأحاول أن أقول ولا يمكن أن ينقص منه أو يعدل إلا إذا كان داخلا، أو كما قال الدستور، في إطار تنموي مخطط ومدروس وصوت عليه البرلمان.
نريد أن نكون دولة القانون ونحتفظ بالملكية الخاصة.نأتي ونتسلط على أراضي الناس ونبني دون اعتماد لا مسطرة لنزع الملكية، ولا اتصال بمحامي هذا ومحامي ذاك كي يقوما الأرض وثمنها، وبعد هياط ومياط وشفاعة من قريش، ولما يكن لذلك الشخص أن يتوصل بماله تكون قد مرت عليه 20عاما أو 15عاما ولم يأخذ الا عشرة في المائةأو2 في المائة نظرا لانخفاض القدرة الشرائية للمال، فعوض أن يقبض مثلا 20مليون يقبض 50مليون ريال عام 90والحال هاته أن 10 ملايين ريال عام 70 كانت ستجعل منه تاجرا وبخير. اني لأقول بأن الإدارة أو الحكومة أو الدولة تفعل ذلك بنية تعسفية، ولكن أؤاخذ عليها عدم احترام القانون، لاسيما أن كل وزارة لها مصلحة قانونية ومستشارين قانونيين يتقاضون أجورا، وسنصبح كما يقول الفقيه للتلاميذ، النص في الرأس والخسارة في الكراس، يعرف المرء القاعدة النحوية ولما يأتى ليتكلم يلحن.
فلا يمكن لهذه البلاد أن تكون دولة قانون إلا إذا جعلنا كل مغربي عنده الوسيلة كي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه. أعطيكم مثالا فلازالت عندي في مستندات سيدنا رحمه الله أربعة أو خمسة شكاوى بالأخص من ناحية مراكش. ففي اكفاي عندنا جيران والماء قليل، وكان حق الماء وذاك النصراني الذي يتصرف هناك لا يحترم ذلك اليوم الذي لا يكون فيه حق سيدنا رحمه الله في الماء يبقى هو يتمتع في الماء. جاءوا وشكوا به عدة مرات وقال لهم سيدنا رحمه الله ارفعوا عليه دعوى . وجاء الملف إلى الاستيناف في دار المخزن. فجاء السيد المدني بلحسني رحمه الله وحل عند سيدنا فطلب المقابلة. فقال له : يا سيدي ان الشكوى رفعت ضدك ماذا نفعل. فقال له أنا الذي قلت لهم كي يرفعوا الشكوى فاحكموا لكي تنتهي هذه القضية. إن عندي أربعة أحكام وأعتز بها وكلها نفذت والكل بقي على خير لاننا كلنا أمام الله سنكون سواء وأمام القانون يجب أن نكون سواء.
هذه شعبي العزيز وحضرات السادة هي الخطوط العريضة لما قررناه، منها ما يمكن أن ينفذ من الآن وهو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومنها ما تجري صياغته الآن وسيعرض على مجلس الحكومة، ثم سيعرض علينا في مجلس وزاري، وأملنا أن تتم الموافقة عليه أو تدخل عليه التعديلات، المهم هو أن يمر في دورة الربيع البرلمانية. فما وجده البرلمانيون ناقصا فينبغي أن يزيدوا فيه وهذا عمل البرلمانيين، لاسيما أن مكتب البرلمان معنا هنا، غير أنكم إذا تمكنتم من أن تخرجوا لنا هذه النصوص فستكون دورتكم مهمة جدا، لانكم ستكونون قد بنيتم طرفا كبيرا من هذا المغرب، دولة القانون التي نريدها ونريد أن لا تكون إلا هي.
وأملى في الله سبحانه وتعالى أن يبقى هذا البلد بلدا مبنيا على القانون وان كنت شخصيا أعتبر أن المناخ الدولي سيؤثر على مناخ كل دولة. فالآن الحزب الوحيد أصبح كأنه السيد، والدكتاتورية الكل يهرب منها كأنها مرض جنسي لاقدر الله. بحيث لا أرى أنه في يوم ما يمكن أن يأتي مدني أو عسكري في دولة فيها ديمقراطية وفيها برلمان ويسجن الكل ويضرب صفحا عن كل شيء.
أظن أنه على الأقل هناك سلم دولية سيعرفها العالم. و إذا لم يغتنم المغرب هذه السلم الدولية كي يضع قوانين بكل اطمئنان وطمأنينة لا لينقل عن هذا أو ذاك لا. بل لينظر في حقيقة مشاكله ورد فعل مواطنيه، لان لكل شعب ردود فعله. فسنكون حقيقة قد أضعنا الوقت. أظن أن هذه السنوات المقبلة هي لإرساء القواعد، فهناك عندنا هدنة دولية وأقولها للوزراء وأقولها للبرلمانيين. جاء الوقت لأن نبني من الناحية الاجتماعية ومن الناحية القانونية بيتنا بناء سريعا ومحكما. وليس ذلك على همتنا جميعا بعـزيـز.
ولا يمكنني أن أختم هذه الكلمة إلا بآية من القرآن. . يقول الله سبحانه وتعالى » أن تنصروا الله ينصركم « صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله.
تعليقات
إرسال تعليق