Bitcoin roulette

القائمة الرئيسية

الصفحات

عرف ثغر العرائش بموقعه الحساس والحيوي في تاريخ المغرب...


عرف ثغر العرائش بموقعه الحساس والحيوي في تاريخ المغرب، كما عرف  بالأحداث الكبيرة والمفصلية والمعارك الخالدة المجيدة التي شكلت منعطفات رئيسية في تدوين مسار التاريخ الحديث للمملكة المغربية ودول الجوار، كمعركة جزيرة المليحة (لاكراسيوسا) 1489، معركة وادي المخازن الكبرى 1578، معارك تحرير العرائش في القرن 17 على يد المجاهدين (العياشي و الخضر غيلان) التي توجها في الأخير السلطان العلوي مولاي إسماعيل عند تحريره ثغر العرائش 1689، معركة العرائش البحرية ضد الفرنسيين في عهد السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله 1765، ثم الهجوم النمساوي العنيف على مرسى العرائش سنة 1829 في عهد السلطان العلوي عبد الرحمان بن هشام، وهو صلب مقصدنا في هذا المقال، فما هي يا ترى حكاية النمساويين مع العرائش ؟

"سعت الدول الأوروبية إثر المدنيّة التي ظهرت فيها بكل وسائلها المتاحة لها في القضاء على الأساطيل الإسلامية شرقاً وغرباً، ومن ذلك إغراق الأسطول العثماني العتيد سنة (1243هـ/1827م) إبَّان ثورة اليونان على الدولة العلية (1). وقد كان من بين تلك الأساطيل الأسطول المغربي الذي كان ذا قوّة بحرية عالية ومكانة بارزة بين الأساطيل العربية، ولكنه كغيره من الأساطيل لم يسلم من وسائل التدمير التي كانت تستخدمها الدول الأوروبية، مرّة باسم منع القرصنة، ومرّة بهجوم سافر عليها، ممّا اضطرّ بسبب ذلك المولى سليمان سنة (1233هـ/ 1817م) إلى حلّ الأسطول المغربي العتيد، ومنع رؤسائه من الجهاد في البحر، وتوزيع بعض قطعه على البلدان المجاورة للمغرب مثل الجزائر وطرابلس، والباقي أنزل منه المدافع وغيرها من آلات البحر، وأعرض عن أمر البحر رأساً، بعد أن كان الأسطول المغربي أكثر وأحسن من أساطيل الجزائر وتونس، وكل ذلك كان بسبب الضغط الذي كانت تمارسه بعض الدول الغربية بعد ظهور المدنيّة فيها (2).

وممّا يكشف عن المؤامرة المدبّرة ضدّ الأسطول المغربي بالخصوص، مأساة هذا الأسطول أيام السلطان المولى عبد الرحمن خلف المولى سليمان

ققد تجاهل السلطان عبد الرحمن المؤامرة المبيتة، وأصدر قراره عام (1243هـ/ 1827م) بإنشاء بعض المراكب البحرية لتضمّ لما كان قد بقي من عهد جدّه السلطان محمد بن عبد الله، وأذن لرؤساء البحر بالعدوتين في الخروج فيها، فخرج بعضهم (3)، وغنموا بعض مراكب "النمسا" لما لم يكن معها رخصة العبور. ونتيجة لذلك تعرضت إحدى موانئ المغرب لهجوم قطعة من الأسطول النمساوي، حيث ضرب عام (1245هـ/ 1829م) مرسى العرائش، وأنزل جنوده للبرّ لتحرق أسطول هذه المرسى، وعلى الرغم من صدّ المغاربة لهذا الهجوم بقوة، وطردهم للمهاجم، فقد تدخلت انجلترا مع المغرب حتى انتهى الأمر بما طالما تمنته هذه الدولة وأصدقاؤها من جعل حدّ لنشاط الأسطول المغربي (4).
قال السلاوي- تعليقاً على هذه الواقعة-: (واعلم أن هذه الواقعة هي التي كانت سبباً في إعراض السلطان المولى عبد الرحمن عن الغزو في البحر، والاعتناء بشأنه .... فظهر له التوقف عن أمر البحر رعياً للمصلحة الوقتيّة، ولقلّة المنفعة العائدة من غزو المراكب الإسلامية) (5). فاختفى الأسطول المغربي من الوجود وخاصة بعد موقعة "ايسلي" التي فرضت فيها فرنسا على المولى عبد الرحمن إلغاء هذا الأسطول. وهكذا نجحت المؤامرات الدنيئة في القضاء على قوة المغرب البحرية بعدما قضت وستقضي على قوات بحرية أخرى في مختلف بقاع العالم الإسلامى. ابتدئ بحلّ هذا الأسطول أيام المولى سليمان، ثم أجهز عليه نهائياً أيام السلطان المولى عبد الرحمن، الذي يرجع سببه أساساً إلى ظهور المدنيّة الغربية وعدم أخذ المغرب بأسبابها والصالح منها كما قال الشيخ المنوني: (إنه الشرارة الأولى من المدنية الغربية تطير على المغرب فتقضي على أسطوله، وفي الأمر- أيضاً- درس قاس للمغرب الذي لم يأخذ بالصالح من هذه الحضارة الغربية، لأن من طبيعة هذه المدنيّة أنّها تقضي على كل من لم يأخذ بأسبابها، سيّما من كان جاراً قريباً لها مثل المغرب) (6) " (7).

وبالعودة إلى المعركة يخبرنا الناصري في " الاستقصا " أنه في يوم الأربعاء الثالث من ذي القعدة 1245 ه 1829م، كان الهجوم النمساوي بستة مراكب عسكرية ضربت المدينة من الضحى إلى المغرب، و نزل خمسمائة من الجنود إلى البَر قاصدين السفن المغربية الراسية بوادي اللوكوس فأحرقوها، لكن المسلمين من أهل العرائش ومعهم أهالي قبائل الساحل المجاورة للموقعة انقضوا على الجنود النمساويين من الضفة الأخرى للوادي حيث بعثوا عليهم سباحة وعلى ظهور الفلك فحاصروهم وأتوا عليهم بالخسارة الفادحة، و صادف أن كان وقت الحصاد فشارك الحصادون بالمداشر المجاورة للعرائش في المعركة، فحصدوا رؤوس أعداء يانعة بدل سنابلهم الزكية، وأبلى الكل البلاء الحسن حيث قتلوا عدداً كبيراً والباقي ردوا على أعقابهم خاسرين بعدما تركوا وراءهم عدداً غير قليل من الأدوات الحربية، في حادثة تشبه إلى حد كبير ما قام به آباؤهم الشجعان الأبطال في معركة شبه مماثلة صدوا فيها عدوا قبلهم كان أكثر قوة وبأسا "فرنسا" في معركة قادها الحبيب المالكي زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله عام 1765، الشيء الذي كرس هيبة ثغر العرائش والمغاربة المسلمون في صدور أعداء الوطن و أنصار الطاغوت.

1 المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث
2 المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث
3 قال السلاوي: (فخرج الرئيسان الحاج عبد الرحمن باركاش، والحاج عبد الرحمن بريطل). (الاستقصا: 9/ 25).
4 المنوني- مظاهر يقظة المغرب الحديث:1/ 13.
5 الاستقصا: 9/ 25 - 26.
6 مظاهر يقظة المغرب الحديث: 1/ 15 - 16.
7 الفقرة داخل المعقوفتين بعنوان : القضاء على الأسطول المغربي. مأخودة من " أجوِبَة التُّسُولي عنْ مَسَائِل الأمير عبد القادر في الجهاد " عبد اللطيف أحمد الشيخ محمد صالح، دار الغرب الإسلامي. (2)

تعليقات

محتويات الموضوع