Bitcoin roulette

القائمة الرئيسية

الصفحات

عشرون سنة من الريادة … دبلـوماسيـة ملكيـة متجددة


عشرون سنة من الريادة … دبلـوماسيـة ملكيـة متجددة
تعد ترقية المغرب وإعطاؤه مكانة تفضيلية دوليا خلال العشرين سنة الماضية، خاصة العشر سنوات الأخيرة منها بكل تأكيد، من بين أهم الغايات الكبرى التي شكلت الإستراتيجيات القيادية للملك محمد السادس، بعد توليه العرش في 1999.
قال الباحث إدريس القصوري، إن السياسة الخارجية شكلت العلامة الأكثر اهتماما، كما مثلت الديبلوماسية الإفريقية عصب تميزها، إذ أخرج الملك محمد السادس السياسة الخارجية المغربية عامة والإفريقية خاصة من الحسابات الإيديولوجية الضيقة، وجعلها أكثر انفتاحا وتحررا، وذهبت بعيدا ما وراء الحدود الصارمة لفترة الحرب الباردة، كما كسرت كل المفاهيم الجامدة، ليصبح تبادل المصالح هو المعيار الأساس والحقيقة الصلبة، التي تنهض عليها كل المفاهيم .
إن رحلة عشرات الزيارات إلى إفريقيا والألف اتفاقية، يقول القصوري، الأستاذ في جامعة الحسن الثاني بالبيضاء، حملت القضية الوطنية على قمة منارة التنمية الاقتصادية الإفريقية، وفتحت باب العودة للبيت الإفريقي ظفرا حطم كل مسكوكات وصكوك ممانعي التغيير الإفريقي، وكان لهذا الفتح السريع ما بعده، حيث عرى الأقنعة وأسقط أوراق الانفصال في دول إفريقية وأمريكا اللاتينية كانت بالأمس القريب قلاعا عتيدة للانفصال .
وأوضح القصوري أن إستراتيجية القمم ومنظومة الاتفاقات واللقاءات كانت فعالة للغاية في تكريس التعاون والشراكة والتضامن الإفريقي، باعتبارها مفاهيم جوهرية لثقافة النهوض بإفريقيا وتعويض قدر التفرقة والانتظارية والشيطنة، مشيرا إلى أنه رغم المعنى الرمزي البسيط لتجوال الملك وسط الدروب الإفريقية ومصافحة شعوبها، وأخذ صور تذكارية تلقائية معهم، إلا أن اللحظات كانت تاريخية بامتياز لما توثقه من صورة العودة الظافرة لساحة السلام الإفريقي، وتكوين لميثاق إفريقيا جديدة وواعدة بقادتها وشعوبها ومؤسساتها، وكأن الصوت المغربي – الإفريقي يؤكد أن «المستقبل يبدأ من هنا والآن.»
وأكد المحلل السياسي أن قاعدة الشراكة المغربية – الإفريقية لم تكن مجرد عمليات تكامل اقتصادي، أو تدوين لمجالات التعاون والشراكة تخص الفلاحة والأمن الغذائي والبنية التحتية والتجارة والاتصالات والسياحة وتأهيل الموارد البشرية وبناء القدرات أو الحد من آثار الجفاف والتصحر، وبناء المستشفيات والمدارس والمساجد وتمويل القروض وتخطيط المدن، وإنما كانت تنسيقا محكما وكافيا لتشارك القطاعين الخاص والعام وتطوير الأنظمة وتسهيل الإجراءات وجمع المعلومات وتبادل المصالح والخدمات والمنافع.
لقد أرست الرؤية الملكية لقاعدة الشراكة التي تتأسس على مفهوم الاستثمار المشترك، الذي أضحى خط الغاز نيجيريا نموذجا له سواء تعلق الأمر بحجم غلافه المالي أو بمصادر تمويله. كما أن الخطوات المغربية في العواصم الإفريقية حفزت القادة الأفارقة على ترك التيار البارد لحقبة ما قبل الألفية الجديدة، وبتكثيف الزيارات وتنويعها بدت اللقاءات الإفريقية أكثر نضجا وعقلانية وديمقراطية وفعالية من ذي قبل.
كما مكنت الرؤية الملكية من إثراء الاقتصاد الإفريقي ودفع القادة الأفارقة إلى تحسس طريق الإصلاح في شتى القرارات، بدءا بإعادة النظر في هياكل الاتحاد وقوانينه حتى تصير أكثر فعالية . ويرى الباحث أن أغلب الفعاليات القيادية الإفريقية تمكنت من فك شفرات صراع القوى التقليدية والقوى المجددة، وقطعت مع الأدلجة الزائدة، وتضخم الذات والاستعلاء التي لم تنتج قمحا ولا رغيفا لأبنائها، والتي عبدت أمامهم طريق قوارب الموت، وأفنت طفولتهم وشبابهم في الغربة طيلة عقود مضت وخلال جيل بكامله .
إن إستراتيجية الاختيار الإفريقي للمغرب، يقول القصوري، أصبحت خيارا حاسما لا رجعة فيه، مشيرا إلى أن المستقبل سيثبت أن التنمية هي الحقيقة الواقعية الوحيدة التي توحد الشعوب، وتحافظ على روح الصلات التي تجمعها في عصر العولمة. فالتاريخ والأرض والجغرافية واللغة والدين كلها تحتاج دائما إلى رحلة الشتاء والصيف، لتقوم روحها وتحدد معانيها، ذلك أن الصعوبات التي مرت بها إفريقيا تؤكد بأن التنمية هي الأساس المتين، الذي تقوم عليه الأخوة الإفريقية المتجددة، وهي المحرك الفعال الذي يجعل رأس المال الرمزي يجري في كل العروق والأعراق .
ولعل كل الخطب واللقاءات والزيارات الملكية كانت تؤسس لرحلة إفريقية جديدة مع زمن جديد، سيكون له ما بعده في شرايين الحياة الإفريقية، بعد أن أصبح صوتها يصدح في المحافل الدولية بالحق في التنمية الذاتية المتوازنة والبيئة السليمة والعيش الكريم، وولوج الألفية الجديدة فاعلا قاريا ودوليا إستراتيجيا بكل خياراته واحتياطاته الطبيعية وموارده البشرية في أول الأمر.
درس نموذجي في العلاقات الدولية
لم تقتصر المبادرات الملكية المغربية على مجرد تشخيص أعطاب إفريقية، بل عملت على تقديم تصورات مبدعة لا تقف عند رصد الحلول الجاهزة المؤطرة ببيانات منطقية، ولكن بناء تصورات موجهة برؤى مرصعة بأفكار جديدة ونصوص مبتكرة، كما هو الأمر بالنسبة إلى قضية الهجرة وتفاعلاتها القارية والدولية وقوانينها وإكراهاتها الداخلية والخارجية، أو بخصوص مشكل الإرهاب، وما يؤطره من مفاهيم أمنية ومقتضيات اقتصادية و مساحات ثقافية وآليات دينية أو مشكل المناخ ومرجعيات مسؤولياته الصناعية واَثاره وتأثيراته على الشعوب الإفريقية وبيئتها ومستقبلها. لقد قدمت الديبلوماسية الملكية في العقد الأخير درسا نموذجيا في العلاقات الدولية، تأسس على التفاعل الديبلوماسي الإفريقي البناء، هذا الدرس الذي قام على قيمة نكران الذات وأنتج حيوية ديبلوماسية وسياسية واقتصادية وشعبية فاجأت الكثيرين بخياراتها وتحليلاتها وغاياتها. وكانت نتائج هذا الخيار الجديد واضحة المعالم في إخراج إفريقيا من جمودها الطويل ورسم معالم قيم قيادة إفريقية جديدة متميزة بانفتاحها وتفاعلها وإبداعها.

تعليقات