Bitcoin roulette

القائمة الرئيسية

الصفحات

ملك المغرب محمد السادس نصره الله


ملك المغرب محمد السادس نصره الله
ملك المغرب محمد السادس نصره الله 

ملك المغرب محمد السادس نصره الله 

 سليل العلويين الشرفاءالدولة العلوية المغربية النشأة والاستقرار والاستمرار



تمهيــد:

كان المغرب م الفتح الإسلامي سنة 62هـ-681م، إقليما تابعا للخلافة الإسلامية على عهد الدولة (الأسرة) الأموية وأوائل الدولة العباسية، إلى أن تحرر من التبعية واستقل استقلالا تاما بقيام دولة مغربية عربية إسلامية في إطار نظام ملكي إسلامي سني أصيل، قائم على الكتاب والسنة، والعدل والمساواة، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقا للوثيقة التاريخية (1) التي كانت بمثابة أول دستور مغربي مكتوب، قامت على أساسه الدولة المغربية الناشئة بزعامة مؤسسها الإمام إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن أمير المومنين على بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد بويع الإمام إدريس الأول رئيس الدولة الجديدة بيعة إسلامية شرعية اجماعية سلمية واختيارية يوم الجمعة رابع شهر رمضان عام 172هـ، موافق سادس شهر فبراير سنة 789م.
وهكذا يعتبر تاريخ (6 فبراير 789) مبدأ السيادة المغربية التي اختار الشعب أن يكون (العرش المغربي) رمزا لها، سيادة عملت جميع الدول (الأسر) التي حكمت المغرب على ترسيخها وحمايتها والدفاع عنها كأثمن ما يعتز به الشعب المغربي منذ عهد (الدولة الإدريسية 789-921م) إلى الوقت الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مرورا بالعصور التاريخية بعد الأدارسة قامت (الدولة المرابطية) ثم (الموحدية) ثم (الدولة المرينية) ثم (الدولة الوطاسية) ومن المؤرخين من يعتبر الدولة الوطاسية امتدادا لدولة بني مرين، يم (الدولة السعدية الشريفة 1554-1659) وعلى اثر تقلص نفوذ السعديين قامت (الدولة العلوية الشريفة سنة 1640) لتواصل مسيرة استقرار النظام وسيادة الوطن. وهي الدولة التي أفردناها بهذا الموضوع المجمل حيث هي ياقوت خضراء متلألئة في وسط عقد مغربي من الجواهر الكريمة اللامعة، وإن كان تاريخها المشرق يحتاج إلى موضوعات بل إلى مجلدات.
قد تلاحظ فترات انتقالية طالت أم قصرت بين انحلال دولة وقيام أخرى، فبماذا يمكن تفسير الفراغ الملحوظ من الزاوية السياسية؟ وفي نظرنا، وكما هو حاصل في كثير من مراحل التطورات التاريخية أن فترة التحول من وضعية إلى أخرى تتسم في أغلب الظروف بالمحافظة على السيادة وعلى جوهر النظام، إلا من شذ في محاولات تمردية يائسة سرعان ما يعود يعدها طوعا أو كرها إلى الجادة والاتجاه الشعبي الملتزم نحو النظام. والنظام الذي اختاره الشعب وأقره بالإجماع يوم 6/2/789م. كان يسير بخطوات ثابثة وجرئية ورصينة نحو الاستقرار والازدهار، مصداقا للحديث النبوي الشريف الذي أخرجه المؤرخ العلامة عبد الواحد المراكشي بسنده الخاص إلى الإمام مسلم بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"، (2) ومنطوق الحديث ومفهومه يعتبر من المعجزات النبوية الخالدة.
                                                   ***
نسب الأسرة العلوية:
تنتسب الأسرة العلوية المغربية الحاكمة إلى جدها الأعلى أمير المومنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه، وجدتها العليا فاطمة الزهراء رضي الله عنه، في سلسلة ذهبية من النسب الشريف النبيل، من جلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله،إلى الإمام علي وسيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها. (3)
وعرفت هذه الأسرة في القرن الثالث عشر وما بعده بأسر الشرفاء السجلماسيين نسبة إلى مدينة (سجلماسة) التي أسست سنة 757م. وكانت قاعدة لإقليم تافيلالت الصحراوي قبل أن تتحول قاعدة الإقليم إلى مدينة الريصاني (4) وكان جده الحسن بن القاسم بن محمد وهو المعروف( بالحسن الداخل) قد نزل بها واستقر فيها عند قدومه الميمون إلى المغرب على عهد الدولة المرينية سنة 664ه، 1265م (5) وبها توفي سنة 676هـ 1277م.
وقصة قدوم هذا الشريف إلى المغرب اعتمادا على المصادر التاريخية (6) أن وفد الحجاج السجلماسيين كان يرغب في وجود شخصية من آل البيت النبوي بينهم في سجلماسة للتبرك به حيث لم يكن بها أجد من آل البيت، فاتصل بشريف "ينبع النخل، (7) المولى قاسم بن محمد، وكان من أكبر شرفاء الحجاز في وقته ديانة ووجاهة، فطلبوا منه أن يرسل معهم أحد أولاده الثمانية إلى بلادهم تكريما وتشريفا لهم، فاستجاب الشيخ الشريف لطلب الوفد، واختار من أولاده من يليق بتمثيل الأخلاق النبوية والأريحية الهاشمية، في بلد إسلامي عرف بحب أهله وتمجيدهم لآل البيت رضي الله عنهم، وكان الإبن المختار الذي رشحته أخلاقه الكريمة وإنسانيته المهذبة لهذه السفارة الشريفة خو مولانا الحسن الداخل الذي تبلورت طيبوبته في حوار مع أبيه للغاية المقصودة، إذ قال الأب لابنه وهو يختبر فكره وسلوكه: "من فعل معك الخير ما تفعل معه؟ "أجاب الحسن: "أفعل معه الخير" قال الأب: "ومن فعل معك الشر؟ "أجاب الإبن الذكي: "أفعل معه الخير !" قال الشيخ: "فيرد ذلك الشر !!" قال الحسن: "فأعود له بالخير إلى أن يغلب خيري على شره !! فابتهج الشيخ قاسم واستنار وجهه، وأرسله مع الوفد المغربي مودعا بالدعاء له بالبركة فيه وفي عقبه. فاستجاب الله دعاء الشيخ الشريف وجعل البركة واليمن مقرونتين بابنه الحسن الداخل، وبعقبه من الشرفاء العلويين أينما حلوا وارتحلوا في بلاد المغرب التي فتحت ذراعيها لاحتضان هذه الأسرة الشريفة بكل إجلال وتكريم وتمجيد.
                                                   ***
كان الحسن الداخل رجلا صالحا ناسكا زاده العلم جلالة ومهابة، أحبه الناس وأكبروه واجتمعوا حوله للتبرك به والاستفادة من عمله، وقد تزوج وهو في الستين من عمره بابنة أبي إبراهيم أحد وجهاء سجلماسة رئيس الوفد الذي كان له شرف القدوم له. وأنجب الشريف معها ولدت واجدا هو محمد الذي ورث سر أليه في الفضل والبركة الصلاح.
وأنجب محمد بن الحسن الداخل ولدا واحدا كذلك، هو الحسن الذي أنجب ولدين اثنين هما: عبد الرحمان المعروف بأبي البركات، وعلى المعروف بالشريف السجلماسي الذي برزت شخصيته في ميدان الجهاد وفي مجالات البر والإحسان، وهو عميد الأسرة العلوية المغربية الشريفة، وعلينا أن نقول بأن الأول الذي عرف بعلي الشريف، تميزا له عن علي الشريف الابن، وهو الثاني، وعلي الشريف بن محمد – الحفيد – وهو الثالث. وعرف بعلي الشريف المراكشي، وهو الجد الأقرب للأسرة الملكية، وضريحه في مراكش، تلقاء ضريح القاضي عياض، بنى عليه أمير المومنين مولاي الرشيد قبة بديعة.
                                                ***
ولئن كان نجم الأسرة العلوية المالكة قد تألق ولمع سياسيا واجتماعيا على عهد مولاي علي الشريف الأول المتوفى سنة 1443م. فإن صيتها قد ذاع وملأ الأسماع في أيام المناضل الرائد مولاي الشريف (إسما) به علي الشريف الثالث الذي تزعم انتفاضة سجلماسة ضد الإرهاب وجبروت الحكام الذي زعزع الدولة السعدية وعمل على قيام إمارات انفصالية جائرة، وكانت انتفاضة مولاي الشريف مناسبة لظهور الدولة العلوية كقوة سياسية لها وزنها ومكانتها في المجتمع المغربي.

ابتداء الدولة العلوية:
وقد مهدت انتفاضة المولى الشريف لقيام الدولة العلوية بصفة شرعية سنة 1050 هـ- 1640م. بمبايعة أهل الحل والحقد (8) لولده محمد بن الشريف بن علي الشريف الثالث دفين مراكش. وهو المعروف في تاريخ الدولة العلوية بمحمد الأول. وقد جددت له البيعة إثر وفاة والده الشريف سنة 1658م.
وعلينا أن نقول بأن الفترة التي قضاها محمد الأول في الحكم إلى وفاته سنة 1644 كانت فترة انتقالية بين عهدين، عهد الحركات الطائفية المتصارعة على النفوذ والحكم، نتيجة ضعف الدولة السعدية وانحلالها، وعهد انبعاث النظام وانتصار المشروعية الممثلة في باختيار الأمة للأسرة العلوية التي أعادت للبلاد وحدتها وسيادتها.
وهكذا اجتمعت الكلمة بعد وفاة محمد الأول على أخيه الرشيد (1664- 1671) وكانت بيعة المولى الرشيد برهانا على وعي الأمة المغربية والتزامها بالعهد الذي أخذته على نفسها يوم بايعت الملك المؤسس محمدا الأول. وفي الالتزام بالبيعة المقدسة تتجلى الأصالة المغربية الإسلامية التي يتوارثها الخلف عن السلف.
وقد تم لمولاي الرشيد توحيد المغرب تحت سلطته الشرعية، وإليه يرجع الفضل في ترسيخ أسس الدولة الجديدة الناشئة مع ما كان عليه من العمل على إحياء السنة ونصر الشريعة، وكان محبا للعلماء مولعا بمجالستهم، وكان في الجود والسخاء مضرب الأمثال، فظهرت في عهده بوادر نهضة حضارية من أبرز مظاهرها تأسيس مدرسة الشراطين بفاس، وإحداث النزهة الربيعية للطلبة من أجل الترفيه والتنشيط. وذكر الناصري في الاستقصا أنه كان يحضر مجالس الشيخ اليوسي (9) بالقرويين، وعلق على ذلك بقوله: وهذه لعمري منقبة فخيمة ومأثرة جسيمة، فرحم الله أهل تلك الهمم التي كانت تعرف للعلم حقه وتقدر قدره (10).
عهد الاستقرار والاستمرار:
وقد بلغت دولتنا الشريفة أوج الازدهار والاستقرار في عهد أمير المومنين مولاي إسماعيل بن الشريف (1671-1727) وهو ثالث الإخوة الرواد الذين لمع ذكرهم وتألق نجمهم في تاريخ الدولة العلوية.
وقد تمكن العاهل الكبير ممن تحقيق وحدة التراب المغربي كاملة من شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى شاطئ نهر السينغال جنوبا. بل إن المؤرخ أبا عبد الله  الأفراني المراكشي معاصر مولاي إسماعيل ذكر بأن نفوذ مولاي إسماعيل امتد على السودان الغربي (السينغال ومالي) وأنه بلغ في ذلك ما لم يبلغه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي ولا أحد قبله (11) وحينما احتلت فرنسا السودان الغربي في القرن التاسع عشر وصار يعرف بالسودان الفرنسي، كان ولاة السودان يدينون بالولاء للعرش المغربي كما هو مشهور.
وتجدر الإشارة إلى اهتمام إسماعيل بتأليف جيش وطني منظم اعتمد عليه في المحافظة على سيادة الدولة من جهة، وحراسة طرق المملكة ونشر الأمن فيها، وقد اهتم المؤرخون المغاربة والأجانب على السواء بتكوين هذا الجيش ونظامه وما استفادته البلاد من خدمته وإخلاصه، نذكر منهم كارل بروكلمان عند إشارته لهذا الجيش قال: وأقسم أفراده يمين الإخلاص على صحيح البخاري، ومن هنا عرفوا بعبيد البخاري، أو العسكر البخاري. وقد استطاع-الملك- بواسطة هذا الجيش أن يخضع قبائل البربر ويطهر البلاد من الأجانب الدخلاء. (12)
وهكذا تمكن العاهل من استعادة الثغور المغربية التي وقعت في قبضة الأجانب أواخر الدولة العدية. فاسترجع المهدية من يد اسبانيا سنة 1681، واسترجع طنجة من يد انجلترا سنة 1684. واسترجع من يد اسبانيا كذلك العرائش عام 1689 وأصيلا سنة 1691. كما حاصر سبتة ومليلية حصارا شديدا مدة سبع وعشرين سنة من 1693 إلى 1720 غير أن التحصينات العسكرية الإسبانية المتطورة حالت دون استراجعهما. لكن الحاصر الإسماعيلي للمدينتين الأسيرتين قد أكد على مغربيتهما تأكيدا قاطعا، وأعطى الإشارة التاريخية بوجوب تحريرها، وما زالت الإشارة الإسماعيلية منقوشة في ذاكرة الشعب المغربي، يتوارثهما الأبناء عن الأباء والأجداد. ومهما طال الوقت فلا بد من عودة الحق إلى نصابه والمياه إلى مجاريها. (11)
أكثر من خمسين سنة قضاها إسماعيل متربعا على عرش المملكة المغربية، رفع فيها المغرب رأسه عاليا بين الدول الشرقية والغربية، وكانت فرسنا من الدول الغربية (14) الكبرى التي اعترفت بدولة مولاي إسماعيل الذي كانت علاقته حسنة جدا لملك فرنسا لويس الرابع عشر (1661-1715) الذي يعتبر من أعظم ملوك أوروبا في القرن السابع عشر.
ويجمل بنا أن ننوه بسيدة البلاط الإسماعيلي خناثة بنت بكار بن علي بن عبد الله المغافري المتوفاة سنة 1746 وهي من أسرة صحراية نبيلة من إقليم الساقية الحمراء (15)، تزوجها مولاي إسماعيل وأنجب منها ولده مولاي عبد الله الذي سيخلف والده بعد وفاته، وكانت السيدة خناثة مثقفة أدبية أعطت بثقافتها وسمو فكرها مثالا صادقا لبنوغ المرأة المغربية بمشاركتها في الحياة الثقافية والاجتماعية إلى جانب زوجها الذي كان يعتمد رأيها ومشورتها ويخصها بمزيد من الاعتبار والتقدير. وكان زواج العاهل بها سنة 1678 بعد زيارته لإقليم شنكيط المعروف في الوقت الحاضر بموريطانيا. ونستنج مما ذكرنا وأشار إليه الكتاب النابهون (16) أن ختناثة أم الملك عبد الله وجدة ولده محمد الثالث بن عبد الله ومن أتى بعده من ملوك الدولة إنما كانت نموذجا لما كانت عليه المرأة المغربية في القرن السابع عشر وما بعده من ثقافة عربية أصيلة ونشاط اجتماعي ملحوظ.
وقد اتخذ أمير المومنين إسماعيل مدينة مكناس عاصمة لدولته لما امتازت به من نقاوة الهواء وعذوبة الماء وخصوبة التربة كما عبر عن ذلك شاعرها أبو عبد الله ابن عبدون (17) المكناسي فقال:
إن تفخر فاس بما في طيها
      وبأنها في زيها حسنــاء
يكفيك من مكناسة أرجاؤها
      والاطيبان: هواؤها، والماء
وقد نشأ فيها عدة مآثر عمرانية تاريخية، وبنى مسجدها الأعظم، كما بنى أو جدد عدة مساجد أخرى كبناء وتوسيع ضريح الإمام إدريس الأول بمدينة زرهون، وتجديد ضريح الإمام إدريس الثاني بمدينة فاس، وجعل مسجده مسجد خطبة، وسن تلاوة "حديث الإنصات" عمد خروج الإمام يوم الجمعة وجلوسه على المنبر، ومراده بذلك لفت نظر المصلين إلى استماع خطبة الجمعة والاستفادة منها، ومازال العمل بهذه السنة الإسماعيلية في مساجد المغرب إلى الوقت الحاضر. وكان العاهل يحب مجالسة العلماء، وكبار رجال دولته، ويمهد السبيل لصحوة علمية وأدبية في عهده رغما عم مشاغله الكبرى بتوحيد التراب المملكة وإقرار الأمن بطريقة حازمة حتى كان المسافر يسافر من مدينة إلى أخرى في الشمال والجنوب دون أن يتعرض له أحد بأذى في طريقه.
وفي مجال تشجيعه للعلم والعلماء أنه أقام حفلا كبيرا بمناسبة ختم دروس تفسير القرآن الكريم في ربيع سنة 1688 دعا إليه علماء فاس، وجرى الحفل في قصره الخاص حيث نضب كرسي التدريس، ولما انتهى الدرس قام أمير المومنين بنفسه يخدم ضيوفه أثناء الوليمة الفاخرة ويوزع عليهم العطايا. (18) وهذه لعمري ظاهرة من ظاهرات الأريحية الهاشمية التي توسمها الشريف قاسم بن محمد في ولده الحسن الداخل وأبنائه وأحفاده.
لسنا في مقام المدح وعرض المآثر والمفاخر، ولكننا نذكر أمجادا وصلتنا متواثرة موثقة من مصادر مغربية موضوعية ونزيهة- وأهل مكة أعلم بشعابها، كما في المثل – وإن كان بعض الكتاب الأجانب قد انتقدوه انتقادا مغرضا (19) مثل الكاتب الإنجليزي روم لاندو في كتابه "تاريخ المغرب في القرن العشرين" ومع ذلك يخفي وجهه المنافق وراء اعتراف صادق لم يجد بدا من التصريح به فقال: "كان مولاي إسماعيل أبرز سلاطين الأسرة العلوية،وكان معاصرا للويس الرابع عشر ملك فرنسا، إذ ظل على العرش الشريف من سنة 1672 إلى 1717، ومت أن الكتاب الأوروبيين قلما وفوه حقه، والكتاب المغاربة أمعنوا في التغني بمدحه، فقد كان ولا شط من كبار رجال التاريخ، فقد عمل على رفع مكانة المغرب كثيرا عن طريق توحيد البلاد وإقامة إدارة قوية فعالة وإنشاء جيش ثابت". (20) وكان على الكتب الإنجليزي أن يقف عند هذا الحد لا بد من التهافت وراء أفكار مسبقة مشبوهة لا يعتمد فيها على مصدر نزيه، لو أنه تذكر مقولة الفيلسوف الفرنسي ديكارت إذ قال: "تخل عن أفكارك ومعارفك وابحث عن الحقيقة لتبلغها".
ولكي لا نتهم التحيز بالرجوع إلى المصادر المغربية النزيهة المتعلقة بهذه الجزئية، نذكر بكل إعجاب رأي الكاتب الفرنسي شار أندري جوليان، في مولاي إسماعيل قال: "كان يبدي شجاعة جديرة بالإعجاب، ولم يقتصر على ذلك، بل تجاوزه إلى ما هو أعلى وأعظم، فكان حاد الذكاء حاضر الجواب دقيقه، متأجج العاطفة الدينية إلى حج التبشير عزوفا عن الترف، زاهدا في الموائد الفاخرة، مرهف الشعور بمسؤولية نحو استقلال بلاده وازدهارها الاقتصادي، تلك هي الملامح الكبرى لملك أين منه شخصية شارل الثاني ملك الإسبان (21) أو جاك الثاني ملك الإنجليز اللذين عاصراه". (22)
وللمقارنة ارتأينا أن نشفع مقولة شيء اندري جوليان بما كبته في الموضوع أبو عبد اله محمد الضعيف الرباطي المتوفى سنة 1818 في تاريخه فقال في معرض كلامه عن مولا إسماعيل ما نصه: "كان رحمه الله مطيعا لأوامر الله، خاشعا خائفا من مولاه، رقيقا بالمساكين والأرامل والأيتام، مسلطا على الظلمة والطغاة والعظام...وكانت طاعته قد  عمت جميع المغرب إلى تلمسان،وجميع بلاد الصحراء وتوات، وفيكيك وأطراف السودان، وعلى تيغاز وسوس الأقصى، وخضع له جميع من كان عصى...ولقد كان وصاما قواما دائم الذكر شديد الغيرة في محارم الله، وكان مهابا شجاعا ظاهرا للفداء منصورا مظفرا مؤيدا، يهابه ملوك الأرض، ويرون مهادنته عليهم من أكد الفرض، ويهاديه ملوك الأقاليم، ويتحفه بالهدايا ملوك الأعاجم". (23)
كما لا يفوتنا اقتطاف نص موضوعي في إطار سلوك عاهلنا المقدس للكاتب العربي المعاصر أحمد سعه قال: "يجمع المؤرخون الأجانب على أن مولاي إسماعيل كان يتمتع بحيوية ونشاط فائقين، وأنه كان شجاعات لا يعرف الخوف منفذا إلى فؤاده، وفطنا ذكيا لا تنطلي عليه الحيلة ولا الخديعة، ومدركا لأهمية توطيد أركان العرش لصالح المغرب، ومحررا للتراب الوطني المغربي من الاحتلال الأجنبي، ولولا بعض المتاعب الداخلية لكان قد وفق لتحرير سبتة ومليلية..." ثم زاد الكاتب العربي قائلا: "نقطة إضافية انفرد بها مولاي إسماعيل في علاقاته مع الدولة الأوروبية، نعني بها اهتمامه بالناحية العقائدية، إذ وجه رسالتين مسهبتين إلى كل من لويس الرابع عشر ملك فرنسا، وجيمس الثاني (جاك الثاني) ملك انجلترا دعاهما فيها لاعتناق الإسلام...لا يظن أحد أنه في دعوته هذه كان ينطلق من تعصب مقيت ضد النصرانية كدين، وإنما كان يعبر ‘ن إيمانه العميق بأن الإسلام أفضل شريعة سماوية تؤمن سعادة الإنسانية..." وزاد الكاتب بقوله:" رحم الله مولاي إسماعيل...كان مسلما صادقا يلزم نفسه بتنفيذ كل متطلبات الشريعة، بما في ذلك السنن والمستحبات، وأن آثر أن يعيش حياة عريضة ذ، في حدود مالا يتعارض مع الشرعية" (24) وكان الكاتب المذكور – قبل عرض نصوصه التي أثبتناها – قد انتقد المؤرخين الأوروبيين فيما سجلوه عن العاهل المغربي من سلوك مغرق في القسوة والبطش معتمدين على روايات أسراهم، أو علة أخبار دبلوماسيين حاقدين وصلوا إلى بلاط مولاي إسماعيل، فأكلوا خيره وجحدوا فضله!
                                                ***
لم يعهد مولاي إسماعيل بالخلافة لأحد من أبنائه، بل ترك الناس أحرارا بعده وفاته ليختاروا ما شاءوا من أنظمة ومن شاءوا م رجاله. فاختاروا بمحض إرادتهم نظام مولاي إسماعيل وأبناءه ثم أحفاده. وهكذا وجد الأمراء الميدان خاليا لترضيه طموحهم في الحكم. ووقع النزاع بين الإخوة على العرش، وغذى الجيش الإسماعيلي هذه النزعات الخطير بتدخلهم في شؤون السياسة والحكم، كما أن الولاة الأتراك العثمانيين بالجزائر كانوا لا يتورعون عن مساندة الانقلابات التي أدت إلى مواجهات عنيفة للسيطرة على زمام الدولة، ومع ذلك لم تظهر في الميدان حركة مناهضة للعرش العلوي. وإنما الخلاف قائم حول الشخصية الشريفة المستحقة للخلافة. فكانت أزمة حكم لا أزمة نظام.
وهكذا جلس على العرش العلوي سبعة من أبناء إسماعيل هم:
1) أحمد المعروف بالذهبي،
2) عبد الملك،
3) عبد الله،
4) علي الملقب بالأعرج.
5) محمد المعروف بابن عربية، لأن أمه كانت عربية من الشاوية، وعرف في تاريخ الدولة محمد الثاني.
6) المستضيء.
7) زين العابدين.
لكن المولى عبد الله بن إسماعيل (1728-1757) تمكن من الاحتفاظ بالعرش، إذ جددت بيعته مرارا في الأقاليم، وكانت الأقاليم الصحراوية من أشد الأقاليم المغربية ولاءا له وتمسكا به، وتقدم أن أمه كانت من إقليم الساقية الحمراء، وهي الأميرة خناثة بنت بكار السابقة الذكر.
للموضوع بقية.

1) مديرية الوثائق الملكية: الوثائق ج1-ص 56


إدارة مواقع المملكة المغربية
خديم الاعتاب الشريفة
الشريف مولاي عبدالله بوسكروي.

قام بإعادة نشر مقال الشريف مولاي عبد الله بوسكروي، الأستاذ محمد أمين علوي والأستاذ يوسف الإدريسي.

تعليقات